الشيخ زايد رحمه الله، نسبه وحياته وانجازاته
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو الأبُ المؤسسُ لدولةِ الإماراتِ العربية المتحدة، وأولُ رئيسٍ لها. هو المهندسُ الذي صاغ ملامحَ الحلم الإماراتي، والباني الذي شيَّدَ دعائم الاتحاد، فغدا رمزًا للنهضةِ، ومعلَمًا من معالم العز العربي، وصارت الإمارات على يديه، وعلى هدي خطواته؛ وجهةً فريدةً في الشرق الأوسط للأحلام التي تبحث عن واقعها.
في هذا المقال، نتأملُ في سيرةِ هذا القائد الفذ، نسبَهُ العريق، ونشأتَهُ المجبولة على القيم الأصيلة، ومسيرته الذاخرة بالإنجازات.
من هو الشيخ زايد؟
في قلب الصحراء، وتحديدًا في قصر الحصن بأبوظبي، وُلد فجر السادس من مايو عام 1918 رجلٌ سيغيّر ملامح المنطقة ويصنع للتاريخ مجدًا جديدًا… إنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وباني نهضتها الحديثة، وأول رئيسٍ لها.
نشأ زايد في كنف والده، الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، الذي حكم إمارة أبوظبي بين عامي 1922 و1926، ووالدته سلامة بنت بطي القبيسي، سيدة الحكمة والحنان. ومنذ نعومة أظفاره، كان لزايد حضورٌ لافت، ذكاء يسبق عمره، وفطنة تحاكي الزمن، وشغفٌ لا يُروى بالمعرفة.
ينتمي إلى أسرة آل نهيان، إحدى الأسر الحاكمة التي تعتز بانتمائها إلى قبيلة بني ياس، تلك القبيلة العريقة التي شكلت ركيزة من ركائز تاريخ الخليج العربي. وفي الكتاتيب، حيث يتفتح الوعي على نور القرآن الكريم ومبادئ الدين الحنيف، خطا زايد أولى خطواته نحو بناء الذات. لم يكتفِ بذلك، بل تعلّم الفروسية وأتقن الصيد بالصقور، فجمَع بين أصالة الروح وبأس الفارس، وبين سكينة الحكيم وجرأة القائد.
كان الشيخ زايد منذ صغره رجل المستقبل، يقرأ ما بين سطور الأيام، ويحلم بدولة تتجاوز حدود الرمل والبحر، فكان له ما أراد، وكان لنا المجد.
نسب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
يرجع نسب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، إلى قبيلة بني ياس، إحدى أعرق القبائل العربية في الخليج العربي، وجذورها ممتدة في عمق التاريخ بمنطقة شبه الجزيرة العربية. وقد شكّلت هذه القبيلة نواة لتحالف قبلي واسع، كان له دور محوري في ترسيخ الاستقرار، والمساهمة في بناء الكيان السياسي لإمارات الساحل.
وفيما يلي نسب الشيخ زايد بشكل مبسط:
- زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان بن فلاح.
وآل نهيان هم فرع من قبيلة بني ياس، وقد حكموا إمارة أبوظبي منذ القرن الثامن عشر الميلادي. ويُعتبر الشيخ زايد من نسل حكّام حكموا الإمارة لعدة أجيال، وكان لآبائه وأجداده دور كبير في ترسيخ الأمن وبناء علاقات قوية داخل المنطقة.
وقد عُرف هذا النسب بالكرم، والشجاعة، والحكمة، وهي صفات جسدها الشيخ زايد في قيادته وتأسيسه لدولة الإمارات العربية المتحدة.
حياته ونشأته
نشأ الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في أحضان قصر الحصن، حيث ترعرع بين جدران التاريخ ودفء العائلة، إلى أن بلغ الثامنة من عمره. عندها انتقل إلى مدينة العين، المدينة التي احتضنته بطبيعتها الصحراوية الخلابة وأصالتها البدوية العريقة، فكانت تلك البيئة النقية مرآة انعكست على شخصيته، وغرست في قلبه القيم، وفي عقله الحكمة، وفي سلوكه التواضع والعطاء.
في تلك الربوع، لم يكن التعليم مجرد حروف تُنقش في الذاكرة، بل كان زادًا للروح. تتلمذ زايد على أيدي “المطاوعة”، فنهل من معينهم الطاهر علوم الدين واللغة، وتعلّم قراءة القرآن الكريم، وتدبر الحديث الشريف، وارتقى بلغة الضاد، وتعرف على مبادئ الحساب، ليمتلك بذلك أدوات القائد الذي يقرأ المستقبل بعين البصيرة.
كانت العين ليست فقط محطة في نشأته، بل حجر الأساس في بناء إنسانٍ سيقود أمة، ويخطُّ سطور المجد بإيمانٍ وفكرٍ وبُعد نظر.
وسارت حياته (رحمه الله) على النحو التالي:
الميلاد والنشأة المبكرة:
وُلد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في عام 1918 في قصر الحصن بأبوظبي أو في منطقة العين، حسب ما تشير إليه أغلب الروايات التاريخية، رغم اختلاف المؤرخين حول الموقع الدقيق.
نشأ في بيئة صحراوية شديدة القسوة، حيث كانت الحياة مليئة بالتحديات، تعتمد على صيد اللؤلؤ، والزراعة البسيطة، والتجارة المحدودة.
لم يحظ بتعليم نظامي حديث في طفولته، لكنه تلقى علوم القرآن الكريم، ومبادئ الدين، واللغة العربية على يد نخبة من العلماء والمشايخ. واكتسب الحكمة والبصيرة من خلال قربه من أبناء القبائل، ووالده، وإخوانه.
كما تعلّم الصيد بالصقور، وتتبع الأثر، وفهم دروب الصحراء، وإدارة شؤون القبيلة. فكانت هذه النشأة كفيلة بتشكيل شخصيته، وزرع القيم الأصيلة فيه، وتعزيز ارتباطه العميق بشعبه وأرضه.
حياته السياسية
اشتهر الشيخ زايد، رحمه الله، بحكمته الواسعة وحنكته السياسية، فكان رمزًا للعطاء والعمل الإنساني. ساهم في بناء دولة عصرية، ارتكزت على قيم العدالة، والاتحاد، والتسامح، والنهوض الحضاري. وقد ترك إرثًا خالدًا، لا يزال يشكّل دعامة رئيسية لمسيرة التنمية في دولة الإمارات حتى يومنا هذا. وكانت البداية منذ أن تولّى حكم مدينة العين، حيث بزغ فجر رؤيته القيادية.
فترة حكمه في العين:
في عام 1946م، عُيّن ممثلاً للحاكم في منطقة العين والمنطقة الشرقية لإمارة أبوظبي. وأظهر في هذه الفترة قدرات قيادية وإدارية كبيرة، حيث ركز على تحسين حياة السكان، واهتم بشكل خاص بتوزيع المياه وإدارة الأفلاج (قنوات الري التقليدية) لزيادة الرقعة الزراعية، مما أكسبه محبة واحترام الناس في المنطقة. كما كان حريصاً على فض المنازعات بين القبائل بالحكمة والعدل.
توليه حكم إمارة أبوظبي:
في 6 أغسطس 1966م، أصبح الشيخ زايد حاكماً لإمارة أبوظبي خلفاً لأخيه الأكبر الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، وذلك بدعم وموافقة الأسرة الحاكمة وكبار القبائل، بهدف تسريع وتيرة التنمية والاستفادة من عائدات النفط المكتشفة حديثاً في بناء الإمارة وتطويرها.
قيادة مسيرة الاتحاد وتأسيس الدولة:
بعد إعلان بريطانيا نيتها الانسحاب من منطقة الخليج بحلول نهاية عام 1971م، أدرك الشيخ زايد أهمية الوحدة للمستقبل.
سعى جاهداً لتحقيق الاتحاد بين إمارات الساحل المتصالح. بدأ مشاورات مكثفة مع حكام الإمارات الأخرى، وكان شريكه الأساسي في هذه المسيرة هو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي (رحمه الله).
تكللت هذه الجهود التاريخية بإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971م، واتفقت ست إمارات على الانضمام (أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة)، وانضمت إمارة رأس الخيمة لاحقاً في عام 1972م.
انتخب الشيخ زايد بالإجماع كأول رئيس للدولة الفتية، وظل في هذا المنصب حتى وفاته.
بناء الدولة الحديثة (عهد الرئاسة):
يعود الفضل في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة بعد الله سبحانه وتعالى إلى الشيخ زايد، حيث:
- كرّس حياته لبناء دولة حديثة مزدهرة وموحدة.
- ركز على بناء الإنسان الإماراتي وتوفير كافة سبل العيش الكريم للمواطنين: التعليم المجاني (بشكل إلزامي)، الرعاية الصحية المجانية، بناء المساكن، توفير فرص العمل.
- أشرف على مشاريع تنموية ضخمة: بناء الطرق، المطارات، الموانئ، محطات الكهرباء والتحلية، والمرافق الحيوية الأخرى.
- اهتم بشكل كبير بالزراعة وتخضير الصحراء، وزراعة ملايين الأشجار في تحدٍ للطبيعة القاسية، ليصبح رائداً عالمياً في هذا المجال.
- كانت سياسته الخارجية تتسم بالاعتدال والحكمة والبعد عن الصراعات، وبناء علاقات قوية مع دول العالم.
- اشتهر بكرمه وسخائه ومواقفه الإنسانية، حيث قدم المساعدات والدعم للعديد من الدول والشعوب المحتاجة حول العالم.
- كان قريباً من شعبه، يؤمن بالشورى، وحريصاً على تطبيق العدل والمساواة.
أهم إنجازات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله
كان الشيخ زايد قائدًا ومؤسسًا لدولة الإمارات الحديثة، ورائدًا لمسيرة تنموية شاملة غطّت مختلف الميادين، من السياسة والعمران، إلى التعليم والصحة والبيئة والدبلوماسية. وقد ترك خلفه إرثًا وطنيًا وإنسانيًا يُعد مصدر إلهام للأجيال، وهذه أبرز إنجازاته:
- تأسيس الاتحاد: في 2 ديسمبر 1971، قاد زايد جهود توحيد الإمارات السبع تحت راية واحدة، ليضع حجر الأساس لدولة حديثة ومتقدمة.
- نهضة عمرانية وتنموية: أطلق مشاريع بنى تحتية عملاقة، شملت الطرق والجسور والإسكان وشبكات الماء والكهرباء، بتكلفة فاقت 162 مليار درهم، مما غيّر ملامح الدولة ورفعها إلى مصاف الدول المتقدمة.
- تطوير التعليم والصحة: أنشأ المدارس والجامعات، وابتعث الطلاب، وأقام مستشفيات ومراكز صحية متطورة، مما أسهم في نهضة علمية وصحية واسعة.
- الريادة البيئية: أطلق مبادرات لحماية البيئة، فأنشأ المحميات، وأعاد إكثار المها العربي، وزرع ملايين الأشجار، فنال عن جدارة لقب “رجل البيئة الأول”.
- دعم الزراعة: بنى السدود، واستثمر في تحلية المياه، وطور أساليب الزراعة، محولًا الصحارى القاحلة إلى واحات خضراء داعمة للاكتفاء الذاتي.
- تعزيز العمل الخليجي والعربي: ساهم في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وكان من الداعين إلى وحدة الصف العربي والتكامل الإقليمي.
وفاته
توفي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في يوم الثلاثاء الموافق 2 نوفمبر 2004، عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات التي غيّرت ملامح دولة الإمارات والمنطقة بأكملها.
عمّ الحزن كافة أرجاء الإمارات والعالم العربي والإسلامي، لما كان له من مكانة كبيرة كقائد حكيم، وإنسان محب للخير والسلام. وقد صُلِّي عليه في مسجد الشيخ سلطان بن زايد في أبوظبي، ودُفن في باحة جامع الشيخ زايد الكبير، الذي أصبح اليوم من أبرز معالم الدولة الدينية والثقافية.
بعد وفاته، تولى ابنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئاسة دولة الإمارات، ليُكمل مسيرة والده في البناء والتنمية.
رحم الله الشيخ زايد، وجزاه عن شعبه وأمّته خير الجزاء.