منوعاتقصص شيقة

النخوة والذود عن الجار: حكايات لا تموت

من يوم عرف العرب أنفسهم، والنخوة صنعة الرجال، والذود عن الجار دينٌ قبل أن يكون عادة.
في عرف البدو والقبائل، الجار مو بس إنسان ساكن جنبك، الجار “دمٌ مستعار”، تسري عليه الحقوق كأنه أخٌ أو ابن.

وكانوا يقولون:

“الجار جار ولو جار، ولا تركب عليه العار.”

واليوم نسرد لكم حكايات واقعية عن رجال صدقوا في نخوتهم، وحفروا أسمائهم في ذاكرة المجالس.


١. قصة حاتم الطائي ونخوة الضيف الغريب

حاتم الطائي، مضرب المثل في الكرم والنخوة، كان لا يرد سائلاً، ولا يخذل جاراً.
تحكي الروايات أنه جاءه رجل مستجيراً بعدما ضاقت به الأرض، ولم يكن لدى حاتم يومها إلا فرسه الثمينة.
فما تردد لحظة، ووهب الفرس للرجل، قائلاً له:

“الجود بالنفس أقصى غاية الجود.”
ثم سارع إلى ذبح فرسه ليطعم الضيف.


٢. وقفة بني عبس مع جارهم الطريد

في أيام الجاهلية، لجأ رجل غريب إلى حي بني عبس، وكان مطروداً من قومه.
ولم يكن من عادات بني عبس أن يسلموا جارهم.
وقف عنترة بن شداد وقال:

“والله لا يسلم جارنا وهو تحت ظل خيامنا.”
فاجتمعت القبيلة كلها، وأعلنت حماية الرجل، حتى خضبت السيوف بالدماء دفاعاً عنه.


٣. الجار قبل الدار: قصة من نجد

تحكي الحكايات الشعبية أن رجلاً من أهل نجد اشترى بيتاً جديداً.
ولما سئل عن ثمنه قال:

“دفعت حق الجار قبل حق الدار.”
لأنه اشترى الجار الطيب قبل أن يختار الحجر والجدران.
وهذه كانت فلسفة العرب قديماً: الجار الطيب أمان وسند قبل كل شيء.


٤. نخوة ابن رشيد مع جار من شمر

يُروى أن الأمير محمد بن عبدالله الرشيد، حاكم حائل، استجار به رجل من قبيلة شمر بعدما لحقه ظلم من قوم آخرين.
فوقف ابن رشيد، وأرسل رسالة شديدة اللهجة قائلاً:

“من مسّ جاري، مسّ ظهري.”
ووقف معه بكل قوته، حتى خضعت الخصومة، وأُعيد الحق إلى صاحبه.


٥. قصة شجاع من قبيلة عتيبة

في قصة مشهورة عن رجل من قبيلة عتيبة، لجأ إليه جارٌ مستجير.
وكان مطلوبًا لثأر قديم.
فقال له الرجل:

“دونك حزامي.. ولن يصلوا إليك إلا على جثتي.”
وأبقى الرجل في بيته شهورًا، يحميه من الغدر، حتى توسط في الصلح، وأغلق باب الثأر.


٦. النخوة في الإسلام: حماية الجار قبل النفس

منذ جاء الإسلام ورسخ هذه القيمة، فقال النبي ﷺ:

“ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.” (رواه البخاري ومسلم)
وقد روي أن أحد الصحابة أوصى بجاره قبل أبنائه، وقال:
“الجار باب من أبواب الجنة، فلا تغلقوه بالذنوب.”


خاتمة:

النخوة والذود عن الجار ليست قصصًا منسية، بل ميراث أصيل نحتاج أن نُحييه.
لأن الجار الطيب قوة، والوفاء له نخوة، ومن يفقد النخوة فقد ضل عن درب الرجولة.

كما قالوا:

“يا ويل قومٍ جارهم ضاع حقه
ما عاد به فالمدح طيب ولا ذكر”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى