وكل امرئ يولي الجميل محببٌ وكلُّ مكانٍ يُنبت العزَّ طيبُ
قال أبو الطيب المتنبي، شاعر العرب الأكبر، في بيت يجمع خلاصة الحكمة ونبض المروءة:
“وكلُّ امرئٍ يولي الجميل محببٌ
وكلُّ مكانٍ ينبت العزَّ طيبُ”
بهذه الكلمات المذهبة، وضع المتنبي ميزان الحب والمهابة في كفتي الفضيلة والكرامة. فمن يصنع الجميل، يحبه الناس فطرةً وطبعًا، ومن يعمر موطنه بالعز والمجد، يطيب مقامه ويشرف اسمه. إن الجمال هنا ليس جمال الخِلقة، بل جمال الخُلُق، والعز ليس في المال والسلطان وحدهما، بل في رفعة النفس وسمو الشرف.
مكارم الأخلاق عند العرب والقبائل
منذ القدم، كانت مكارم الأخلاق تاجًا يرصّع جبين القبائل العربية. كانت الشجاعة والكرم وحفظ الجوار والوفاء بالعهد، والصدق في القول، والنجدة في النائبات، تُعدّ من أسمى الفضائل، حتى غدت القبيلة تُعرف بمكارم رجالها أكثر مما تُعرف بعدد محاربيها أو كثرة أموالها.
- الكرم كان فخر العربي، حتى إن بعضهم كان يفني ماله كله ليطعم الضيف ويؤوي العابر.
- النجدة كانت قانون الأرض: أن يغيث الإنسان الملهوف ولو كان غريبًا لا نسب له ولا صلة.
- حماية الجار كانت من المقدسات؛ حتى قال أحدهم: “لا يُذلُّ جارنا ونحن أحياء”.
- الصدق كان عِماد الرجولة، فالعربي كان يُعدّ الكذب عارًا يلاحق صاحبه حتى مماته.
لقد أدرك العرب أن الأخلاق زينة لا تفنى، وأن الذكر الحسن ميراث يتجاوز حدود العمر والجغرافيا.
ولم تكن القبائل تتفاخر بكثرة السيوف وحدها، بل كانت تتباهى بكثرة ذوي الوفاء والمروءة فيها، وبأسماء رجالها الذين إذا ذُكروا انحنت لهم الرقاب احترامًا.
بين البيت والموروث العربي
بيت المتنبي هذا، حين يتأمله القلب، يجد فيه خلاصة أخلاق العرب:
- فمن أعطى الجميل، ولو بكلمة طيبة، سكن قلوب الناس.
- ومن غرس العز في أرضه، حوّل صحراءه إلى جنة معطرة بالكرامة.
وقد بقيت القبائل العربية تتوارث هذه المبادئ جيلاً بعد جيل، تُغرس في الطفل منذ نعومة أظفاره، وتُنقش في ذاكرة الفتى وهو يشبّ بين الخيام والنجود.
خاتمة بعطر المحبة
لو أردنا أن نلخص رسالة العرب للأمم، لقلنا:
من صنع الجميل، سكن القلوب دون استئذان، ومن عاش بالعز، أينما حلّ، صار طيب الذكر والمقام.
إن مكارم الأخلاق ليست مجرد ترف حضاري، بل هي روح تعيش في الكلمات والدماء، في الشعر والسيف، في الصحاري والحواضر. ولهذا، بقي العرب خالدين في ذاكرة الإنسانية، ليس بقوة جيوشهم فقط، بل بجمال مآثرهم.