أطيب الثمرات في التعريف بقبائل الإمارات، لمؤلفه عبد الله بن حماد الخاطري النعيمي، هو كتاب من جزئين، طويل جدًا لدرجة المبالغة دون قيمة حقيقية، بل لعل هذا التطويل والحشو هو ما أدى لمنعه وإيقافه بقرار رسمي، بعدما اشتكى منه عديدٌ من قبائل الإمارات لاحتوائه على معلومات خاطئة ومغالطات.

قمت بمراجعة الكتاب وقد انتابني شعور بأن ثمة شئٌ ما خاطئ، ابتداءً من العنوان.
لماذا توقف المؤلف عند عام 1899؟
هذا سؤال بلا إجابة، فلم يذكر أي شيء عن هذا الأمر، وهو مما يقلل من قيمة الكتاب كبحث علمي، إذ أن شيئًا مقصودًا كهذا لابد له من تبرير علمي في سياق التاريخ، وإلا فقد العنوان مغزاه العلمي الدقيق كما يعرف ذلك طلبة الجامعة.
يقول الباحث في صفحة 66 ما نصه : ” أن البحث العلمي الدقيق يحتم على الباحث في الأنساب أن يبحر بصبر فيما يبحث فيه، ويغوص في الأعماق لكشف خفاياها من أجل البحث عن كل معلومة توثق البحث، وتجلي للقارئ كل غبار عن صورة النسب المعنى به وعليه الوصول إلى الجذور، وربطها في القدم …. “
غير أنني لم أجد هذا الإبحار الذي يتطلبه البحث العلمي (الدقيق)، وإنما كان هناك خروج صارخ عن الأنساب في جذورها وفروعها إلى حد كبير، بل إنه تجاوز المعيار الزمني الذي وضعه لنفسه في عنوان الكتاب، فأصبحت الفترة الزمنية التي يغطيها تمتد حتى عام 2009 وليس 1899، وهذا أمر عجيب، للحد الذي يدفع جمهرة قبائل الإمارات للشكوى منه، فبسبب التطويل وتجاوز التخصص والكتابة عن كل شيء دفعة واحدة، أصبح الكتاب مليئًا بكثير من المغالطات التي وضعت فقط من باب الحشو وتضخيم المادة العلمية لزيادة الصفحات.
بل يمكن القول بقدر معقول من الثقة أن أكثر من نصف الكتاب يتحدث في موضوعات خارج نطاق عنوانه، مما يؤثر كثيرًا على مصداقيته ككتاب تاريخ وأنساب، فضلا عن الاستشهاد به كمصدر علمي كما يفعل البعض.
ثم إن من يصبر على الفراغ من قراءة الجزأين، بمعجزةٍ ما، سيجد أن المؤلف اعتمد على الروايات الشفهية في أكثر من 65% من مادته العلمية، فهو يعتمد على ما يذكره أبناء هذه القبيلة أو تلك من خلال استخدام سياقات مثل: أفادنا بذلك … ، في مقابلة مع … ، يقولون أنهم ….، التقيته وأكد لي … ، نقلاً عن ….. ، وفي لقاء لي …… ، ويروي كبار السن …. ، من رواية لـ …..
مما جعل مادة الكتاب في معظمها روايات حالية عن الأنساب وكأننا في مجالس حكي، ولسنا بصدد مادة علمية جادة، وهذا -لا شك- يسببُ إشكالات وحساسيات نحن في غنى عنها لو كان الباحث قد جعل كتب الأنساب والمؤلفات المتخصصة هي الأساس في بناء كتابه.
وبهدف تضخيم الكتاب أيضاً خصص الباحث 133 صفحة بعنوان : ” أطيب الثمرات في التعريف بقائل الإمارات “من وجهه نظر ذوي الاختصاص” . صفحات 1187-1320 من ضمنها أقوال من المثقفين والمؤلفات في اعتقادي تزكيها مادتها العلمية وليس التعويل على المقابلات الشخصية ووجهات النظر مع كل تقديرنا لمكانتهم وذاكرتهم وجلال شخصياتهم ، فالكتب التي تتناول الأنساب لها شروطها وأسانيدها المعروفة في علم الأنساب ولا يجوز الخروج عليها أو تجاوزها بأي حال من الأحوال وهذا يعرفه الباحث جيدًا ولذلك اختار العنوان الذي ينتهي بعام 1899م ولكن وجدنا أن عنوان الكتاب بعيد كل البعد عن معظم مضامينه مما يجعل الانطباع عن الكتاب سلبيًا، والعبرة ليست في تأليف الكتب وإصدارها وإنما في التقيد بالضوابط والشروط العلمية الصارمة وخاصة في موضوع حساس وشائك كالقبائل والأنساب.
الكتاب تضمن في الصفحة ( 1939 _ 1341 ) وثيقة بريطانية تسئ إلى الشيخ هزاع والشيخ زايد و قبيلة بني ياس، وتتضمن ادعاءات باطله بشأنها منسوبة للسعوديين و لم نجد إطلاقًا مبررًا لنشرها.
اعتماده على مجرد النقل من كتاب يمثل وجهة نظر السلطات السعودية تجاه الأراضي المتنازع عليها .
في الصفحة ( 956 ) ذكر الخاطري بأن بحثه يتركز على القسم الثاني من قبيلة العوامر – أي قسم المملكة العربية السعودية – مسايراً الادعاءات السعودية، و متجاهلاً بذلك عوامر الإمارات !؟ مع أن كتابه يبحث في نَسب قبائل دولة الإمارات العربية المتحدة.
في الصفحة ( 955 ) والصفحة ( 956 ) يشكك الخاطري في ولاء قبيلة العوامر، ويقصيها من قائمة القبائل الرئيسية المكونة للبناء القبلي في دولة الإمارات، ويروج لمطامع خارجية قديمة كانت تهدف إلي استقطاع أراضي سيادية تابعه لدوله الإمارات العربية في خمسينيات القرن الماضي.
في الصفحة ( 961 ) أورد الخاطري ما يثير الشقاق و الخلاف بين بيتي المشيخه في قبيلة العوامر، آل حم و آل ركاض.
في الصفحة ( 962 ) أشار إلي آل حم ، وذكر منهم : سالم بن حم ومحمد بن حم مجردين من لقب الشيخ ، متجاهلاً بذلك مكانتهم الاجتماعية عند قبيلة العوامر و القبائل الأخرى ، ومنزلتهم عند الشيوخ من آل نهيان الكرام .
من الصفحة ( 947 ) إلي الصفحة ( 960 ) أعتمد الخاطري في توثيق نسب قبيلة العوامر على كتب ومراجع باحثين ليسوا بحُجة في الأنساب ، وعلى أقوال أناس عاميون وعلى مجرد النقل من كتب معروفه لدى الباحثين المحققين بأنها ضعيفة .
في الصفحة ( 967 ) تجاهل ذكر بعض الفخائذ والأسر ، مما يثير حفيظة وسخط تلك الفخائذ و الأسر .
عمد من الصفحة ( 962 ) إلى الصفحة ( 972 ) إلى تقديم وتأخير بعض الشخصيات على حساب الشخصيات الأخرى على مستوي عشائر قبيلة العوامر ، وتسمية كبائر العشائر دون الرجوع إلى شيوخ قبيلة العوامر وكبارهم !؟
في الصفحات ( 974 ) و ( 975 ) و ( 976 ) عمد إلى نشر صور بعض رجال قبيلة العوامر دون أخذ الموافقة المسبقة منهم، أو حتى الرجوع إليهم أو إلى أبناء من وافتهم المنية منهم.
يقول الباحث علي بن أحمد الكندي المرر في معرض نقده لهذا المصنف:
علم النسب من العلوم التي اشتهرت عند العرب من قديم الزمان وقبل مجيء الإسلام، وسبب ذلك تكوين الأمة العربية عن غيرها من الأمم، فالعرب لهم قبائل ينتسبون إليها ويتفاخرون بها، وأما غيرهم من الأعاجم فينتسبون إلى المناطق والبلدان كالطوسي والسجستاني، أو إلى الحرف التي امتهنوها كالخباز والخياط وغير ذلك، ونسبة الشخص إلى قبيلته أو بلده مما يسهل في التعرف عليه وتمييزه عن غيره، قال تعالى: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} [الحجرات:13]، ولهذا كان اهتمام أهل الحديث بهذا العلم أكبر وأعظم من غيرهم؛ لحاجتهم في معرفة راوي الحديث وتمييزه عن غيره من الرواة كي يحكموا من خلال علم الحديث إما بقبول روايته أو ردها.
قال السمعاني: (معرفة الأنساب من أعظم النعم التي أكرم الله تعالى بها عباده؛ لأنّ تشعّبَ الأنسابِ على افتراق القبائل والطوائف أحد الأسباب الممهدة لحصول الائتلاف، وكذلك اختلاف الألسنة والصور وتباين الألوان والفطر)(1).
وعلم النسب هو علم يبحث في أصول الأمم والشعوب والقبائل والأشخاص مع الاستدلال عليها بذكر الأدلة من كلام العلماء والنسّابين الثقاة، أو بما تعارف عليه الناس واشتهر لديهم بالنقل الصحيح عمن سبقهم (2)، ولما كان هذا العلم يختص بأصول الرجال كان البحث فيه خطيراً؛ يحتاج إلى جهدٍ وتثبّت، وأن يكون الباحث فيه تقياً ورعاً يخاف الله عز وجل، ونقياً من الأهواء والأطماع الفاسدة، فربما اشتهر رجلٌ بأنه من القبيلة الفلانية ثم يأتي هذا الباحث فينكر ذلك وينسبه إلى غيرهم بقصدٍ أو بغير قصد، مما ينتج عن ذلك العداوة والبغضاء والاختلاف.
وقد دخل في هذا العلم في الآونة الأخيرة –وللأسف الشديد- أناسٌ أحداثٌ تكلموا في أنساب الناس وخصوصاً في نسب بني ياسٍ والمناصير، وسوّدوا فيها الكتب والرسائل؛ فوقعوا في أخطاء جسيمة، وتخاليط عظيمة، بل وقع من بعضهم التحريف والتغيير الذي أفقد مصداقية الباحث، ونزع الثقة من صدور الباحثين والقراء في المعلومات التي يكتبها، وقد قيل: من قلّ صدقه قلّ صديقه، وليعلم هذا الذي يكتب في أنساب الناس ويدس فيها ما ليس منها أن الله كاشفه وفاضحه أمام الخلق ولو بعد حين.
ومهما تكنْ عند امرئٍ مِن خَلِيقةٍ وإنْ خالها تخفى على النّاس تُعْلَمِ
كل هذه النقاط السابقة، غيض من فيض، ولو أردنا تفصيل كل شيء لاضطررنا لتأليف كتابٍ عن كتاب، لكني أكتفي بهذا القدر، وبارك الله في الجميع، ورزقنا الإنصاف والتواضع واليقين.
0 Comments