قمر الزمان والملك – من حكايات القدماء

كيف أبهرت قمر الزمان الملك بذكاءها قبل أن تبهره بجمالها؟


0

يُحْكَى أنَّ الملك الذي كان يحب الأذكياء، ويقرِّبهم إليه دائماً ، ويسعد بمجالستهم واختبارهم بأسئلته الذكيَّة ، كان في أحد الصباحات يتنزَّه مع وزيره في حديقة القصر الواسعة ، فمرَّا ببحرة رائعة تزيِّنها تماثيل أسود يخرج الماء العذبُ من أفواهها بطريقةٍ مُعْجِبَةٍ وساحرة . شعر الملكُ بالعطش ، وطلب من الوزير أن يسقيه شربة ماء .. فتناول الوزير طاسة فضية كانت على الحافة ، وملأها ، ثم سقى الملك ، وأعاد الطاسة إلى مكانها . نظر الملك إلى الطاسة بعد أن استقرَّت في مكانها ، ثم التفت إلى الوزير ، وقال :

– أيّها الوزير ! لقد تكلَّمتِ الطاسةُ ، فماذا قالت ؟!

وجمَ الوزيرُ ، وكسا التعجُّبُ ملامِحَهُ ، ولم يدرِ بماذا يجيب .فالطَّاسة جماد ، ولايمكن لها أن تتكلم ، ولكن هل يجرؤ على قول هذا للملك ؟!

ولمَّا طال صمتُ الوزير ووجومُهُ ، صاح به الملك :

– أُمْهِلُكَ ثلاثة أيام لتأتيني بما تفوَّهت بهِ الطاسة ، وإلاَّ نالكَ منِّي عقابٌ قاسٍ !

عاد الوزير إلى بيته مهموماً حزيناً ، ثم دخل غرفته ، وأغلق على نفسه بابها ، وراح يفكِّر ويفكِّر ، ولكنه لم يهتدِ إلى حلٍّ أو جوابٍ مقنعٍ ، وراح يتساءل : ( ترى ماذا يقصد الملك بسؤاله ؟ .. هناك جوابٌ ، ولاشك ، يدور في خلده .. ولكن

ماهو ؟! ) .

طالت خلوةُ الوزير في غرفته ، فقلقت عليهِ ابنته الوحيدة ( قمر الزمان ) ، فاقتربت من باب الغرفة ، ونقرت عليه بلطف ، ثم استأذنت بالدخول ، فأذن لها .

قالت ( قمر الزمان ) لأبيها :

– مضى عليكَ يومان وأنتَ معتكفٌ في غرفتكَ ، وأرى الهمَّ واضحاً على وجهكَ، فماذا جرى ياأبي؟!

قال الوزير :

– حدثَ أمرٌ جَلَلٌ يا ابنتي ! .. لقد طرح عليَّ الملكُ سؤالاً صعباً ومستحيلاً ، وامهلني ثلاثة أيام لأجيبه عليه ، وإلاَّ عاقبني عقاباً قاسياً !

قالت ( قمر الزمان ) :

– وماهو السؤال ياابي ؟

قال الوزير :

– سَقَيْتُهُ الماء في طاسة ، ولمَّا أعدتُ الطَّاسةَ إلى مكانها ، قال لي : لقد تكلَّمتِ الطَّاسةُ ، فماذا قالت ؟

ضحكتْ ( قمر الزمان ) ، وقالت:

– إنَّه سؤالٌ ذكيٌّ ، وجوابُهُ يجب أن يكون ذكيَّاً أيضاً !

صاح الوزير بلهفة :

– وهل تعرفينَ الجوابَ ياابنتي ؟

قالت ( قمر الزمان ) :

– طبعاً .. فالطاَّسةُ قالتْ : صبرتُ على النَّار ، وطَرْقِ المطارِقِ ، وبعدها وصلتُ إلى المباسِمِ ، وما مِنْ ظالمٍ إلاَّ سَيُبْلَى بِأظْلَم !

وعلى الفور ، لبس الوزير ثيابه ، وقصد مجلس الملك ، ثم نقل إليه الجواب كما قالته له ابنته .

أُعجِبَ الملك بالجواب الذي كان أذكى من السؤال ، ولكنَّه شكَّ في أن يكون الوزير هو الذي اهتدى إليه…

وفي صباح اليوم التالي ، فاجأ الملكُ الوزيرَ قائلاً :

– أيُّها الوزير ! أريدك أن تأتي إلى مجلسي غداً لاراكِباً ولا ماشياً ..وإن فشلتَ، فإن عقابكَ سيكون قاسياً ، وقاسياً جدَّاً !

صعق الوزير للطلب المُعْجِزِ ، وانصرف من مجلس الملكِ مهموماً ، وعندما وصل إلى بيته ، استنجدَ بابنته ( قمر الزمان ) ، وحدَّثها عن طلب الملكِ ، وطلبَ منها الحل .

ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت لأبيها :

– وهذا أيضاً حَلُّهُ هَيِّنٌ ياأبي !

وفي صباح اليوم التالي ، أَحْضَرَتْ ( قمرُ الزمان ) لأبيها دابَّةً صغيرةً، فركب عليها ، وذهب إلى قصر الملكِ ، وهو راكب على الدَّابةِ ، وقدماه على الأرض .

ذهلَ الملكُ لِحُسْنِ تصرُّفِ الوزيرِ ودَهاءِ حَلِّهِ ، فأدناهُ منهُ ، وهمسَ له :

– قُلْ لِي مَنْ يقولُ لكَ ذلكَ .. ولكَ الأمان !

قال الوزير :

– إنَّها ابنتي ( قمر الزمان ) يامولاي !

قال الملك:

– أحضِرها لي في الحال !

ولما مثلت ( قمر الزمان ) بين يديِّ الملك ، أعجبه جمالها ، ولكنَّ ذلكَ لم يثنهِ عن اختبارها في سؤالٍ مُعْجِزٍ ، تكون الإجابةُ عليهِ مستحيلة . قال الملك :

– سأتزوَّجكِ الليلةَ ياقمر الزمان ، وأريدكِ أن تحملي منِّي في الفورِ، وأن تَلِدِي الليلةَ ولداً يكبرُ في ساعات ، ويغدو في الصباحِ ملِكاً يجلس على عرشي !

ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت :

– أمركَ يامولاي !

واقتربت من النافذة المطلَّة على جزء كبير من الحديقة لا زرع فيه ، ثمَّ التفتتْ إلى الملكِ ، وقالت :

– أريدُكَ يامولايَ أن تحرثَ هذه الأرض الليلة ، وتزرعها الليلة ، وتقطف الزرع الليلة ، وآكل من ثمارها في الصَّبح !

ذهل الملكُ ، ونهض صائحاً :

– هذا غير معقول !!

قالت ( قمر الزمان ) :

– كيف تريدني إذن أن أُنْجِبَ لكَ ولداً الليلة ، ويكبر في ساعات ، ويغدو في الصباح ملكاً ؟!

سُرَّ الملكُ من جواب ( قمر الزمان ) ، ثمَّ عقد قِرانه عليها ، وأصبحت ملكة إلى جواره ، وعاشا معاً حياةً هانئةً سعيدة.


Like it? Share with your friends!

0

0 Comments

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *